مقابلة | كيف يؤثر صيام رمضان على الصحة؟

مقابلة | كيف يؤثر صيام رمضان على الصحة؟

تتردد أسئلة كثيرة حول أهمية الصيام لصحة الجسم خلال شهر رمضان، وهناك نقاش لا يتوقف بين العلم والدين من جهة والأطباء أنفسهم ورجال العلم حول الصوم والانقطاع عن تناول الطعام والشراب لمدة تتراوح بين 16-17 ساعة في اليوم على مدار 30 يوما؛ وما إذا كان الابتعاد عن تزويد الجسم بالسوائل كل هذه الفترة يفيد أم يضر.

حاور "عرب 48" طبيبة الأطفال والعائلة ومديرة عيادة صندوق المرضى العام في أحد أحياء الناصرة، د. عبلة دراوشة.

د. عبلة دراوشة (عرب 48)

"عرب 48": هل صيام 16 ساعة في اليوم لمدة 30 يوما أمر صحي؟

د. عبلة: الجواب هو نعم إذا كان الإنسان معافى وسليم الجسم، أما بالنسبة للذين يعانون من مشاكل صحية خاصة والذين يتناولون الأدوية الشهرية ومرضى السكري وضغط الدم يتوجب عليهم استشارة الطبيب والاستماع إلى نصائحه حول ما إذا كان وضعهم الصحي يسمح لهم بالصوم، أو إذا كان ينبغي عليهم اتباع نظام غذائي معين أو تعديل برنامج تناول الدواء خلال فترة الصيام،لكن بشكل عام فإن للصيام فوائد بدنية وروحية وأخلاقية واجتماعية ودينية. فالصيام بشكل عام له فوائد جمّة لكن هنالك فئات معينة تحتاج لاتخاذ تدابير واحتياطات قبل أن تقرر الصيام حتى لا يكون في الصيام ضرر على أجسامهم وصحتهم.

"عرب 48": ثمة من يصوم في غير رمضان وينقطع عن الطعام والشراب لساعات طويلة كجزء من برنامج علاجي أو حمية أو نظام لخفض الوزن.. هل في ذلك فوائد؟

د. دراوشة: عادة ما يكون الانقطاع عن الطعام من خلال برنامج علاجي أو حمية أو نظام لخفض الوزن، ليس صوما مطلقا وامتناعا كليا عن الطعام والشراب كما في رمضان، بل إنهم يسمحون لأنفسهم بشرب السوائل، وقد يكون أساس برنامجهم مبنيا على شرب السوائل فقط. فالصوم المتقطع الذي يهدف إلى خفض الوزن ليس كصوم رمضان، وعادة ما يتناولون معه أنواعا من الأعشاب والسوائل غير المحلاة والماء. ولكي تجيء هذه البرامج بالنتائج المرجوّة يجب أن يكون الجسم سليما ومعافى، وكل شخص يرغب بالتوجه إلى هذه الأنواع من الحمية عليه قبل ذلك أن يتوجه الى الطبيب وأن يجري فحوصات للتأكد من أن أساس الصحة سليم وليس لديه نقص في الفيتامينات أو في الحديد أو مشاكل في الهرمونات والدهنيات، ففي حال وجود مشكلة صحية فإن هذا البرنامج الغذائي الذي يعتمد على الانقطاع عن الطعام قد يزيد الطين بلة، وقد يضعف جهاز المناعة في حال نقص واحد من العناصر الأساسية، وعندها لا يكون هذا النظام صحيا بل على العكس قد يؤذي الجسم.

"عرب 48": كيف يمكننا الاستعاضة عن السوائل التي يحتاجها الجسم، وكيف تؤثر حرارة الطقس على الصائم؟

د. دراوشة: بالطبع حرارة الطقس عامل مؤثر، فهذا الأسبوع يبدو لطيفا، لكن الأسبوع المقبل من المتوقع أن تشهد البلاد ارتفاعا حادا بدرجات الحرارة وأجواء خماسينية، وهنا نشدّد على تناول السوائل والإكثار منها بين وجبتي الإفطار والسحور، وأن نختار السوائل الصحيحة وأهمها الماء، وأن نحرص على التقليل من السوائل المحلاة والتي تحتوي على السكر، ونستعيض عنها بالعصائر الطبيعية الطازجة، ولكن ليس بكميات كبيرة لأنها تحتوي أيضا على السكر، ونقلل كذلك من المشروبات التي تحتوي على الكافايين، ولا ننسى أن هناك أطعمة أيضا تحتوي على السوائل كالشوربة مثلا التي يجب أن تتوفر في كل وجبة إفطار، كذلك الحرص على أن يكون اللبن أو الحليب حاضرا في وجبة السحور لأنه يحتوي على السوائل كذلك الفاكهة والخضار التي تحتوي على كميات من السوائل. يجب أن نصغي لأجسامنا، فعند الشعور بالتعب والإرهاق أو هبوط في السكّر، أو في ضغط الدم، يجب وقف الصيام لأن هذا ضوء أحمر، ينذر بحدوث خلل في الجسم، وكما هو معروف فإن ديننا دين يسر وليس عسر. والأمر ينسحب على العمال الذين يصومون ويعملون في الهواء الطلق وفي الحر الشديد وهذا يشكل خطرا عليهم. لذلك على الصائم أن يتعقل وأن يصغي إلى جسده ولا يلقي بنفسه إلى التهلكة.

"عرب 48": كيف يمكن لهؤلاء العمّال أن يستعيضوا عن السوائل التي يفقدونها، أو كيف يمكنهم التقليل من فقدان السوائل؟

د. دراوشة: عليهم أن يحاولوا قدر الإمكان العمل في مكان مظلل وليس تحت أشعة الشمس الحارقة، وأن يهتموا بوضع قبعة طوال الوقت، وأن يرتدوا ملابس من القطن وأن يكون لون الملابس فاتحا فالألوان الغامقة تجتذب حرارة الشمس، كما عليهم أن يحاولوا بالتنسيق مع صاحب العمل ألا يعملوا في ساعات الظهيرة شديدة الحر، وهناك بعض أصحاب العمل يخفضون ساعات العمل بساعة واحدة أو اثنتين في رمضان، إذا كانت ظروف العمل تحتمل ذلك.

"عرب 48": هل هناك نصائح عامة وتوجيهات للجمهور؟

د. دراوشة: أنا كامرأة وأم وطبيبة ومديرة عيادة وقيادية في المجتمع، علينا ألا ننسى بأن الأهم من الجوع ومن العطش ومن الطعام والشراب والحلويات، وقبل أن نهتم بحجم المائدة الرمضانية وبأصناف الطعام، أن نعتمد ونتبنى الجوهر والقيم الرمضانية التي نسيناها مع الأسف. فرمضان شهر رحمة وتسامح وتكافل ونبذ العنف والعصبيات وتقبل المختلف، كل هذه القيم تتلاشى تدريجيا في مجتمعنا، بدل أن نسعى إلى تعميقها. نحن مع الأسف أقولها مرة أخرى غيّرنا صورة رمضان من شهر التواضع والتقشف والمحبة إلى شهر بذخ وتفاخر في الموائد وتحضير الأطباق المتنوعة والتبذير والهدر والشراء غير العقلاني ونتخلص من كميات هائلة من الطعام يوميا بإلقائها إلى حاويات النفاية، هذا ما ينبغي أن يكون مركز اهتمامنا، وأن نتعلم العبر من جائحة كورونا التي رافقتنا منذ العام الماضي وأن نتعلم منها الدروس، فقد مررنا بمحنة علمتنا بأن الإنسان مخلوق صغير جدا أمام الطبيعة وعاجز عن مواجهة فيروس ميكروسكوبي لا يرى بالعين المجردة. علينا أن نتذكر هذا الأمر لنحسن وضعنا من حيث التكافل والمحبة والتوفير والانتباه للصحة، وعندما نفهم هذه الحقائق فمن المؤكد أننا سنهتم أكثر بصحتنا من حيث تناول الغذاء المفيد وعدم التبذير فكل الموائد الغنية بالمأكولات الدهنية والحلويات التي تسبب ضررا للجسم يجب أن نبتعد عنها في رمضان وحتى في الأشهر الأخرى. ومن الجيد أن نستغل وسيلة اعلام مثل "عرب 48" لتمرير هذه الرسالة. ولو نظرنا إلى مجتمعنا العربي نجد أن من أبرز المشاكل الصحية فيه سببها الإفراط في الأكل والشرب، وفي مقدمتها السمنة، وهي باب لكل المشاكل الأخرى السكري وضغط الدم وأمراض القلب والأوعية الدموية وغيرها الكثير. ثم نأتي إلى العادات السيئة وأولها التدخين وقلة النشاط البدني ولا بأس في أن نبدأ بممارسة النشاط البدني في رمضان وأن نستمر به لما بعد رمضان، وأن نبتعد عن العادات السيئة كالتدخين والنرجيلة، فهناك ظاهرة جدا مؤلمة وتسبب لي الصدمة أحيانا، ألا وهي التدخين في أوساط المراهقين وأبناء الشبيبة، حين أقوم بفحص رئاتهم بواسطة "النصاتة" وأكتشف أنهم مدخنون وهم في المرحلة الإعدادية ويكون الأهل على دراية بالأمر وبالعادات السيئة الشائعة الأخرى التي يمارسها ابناؤهم وأبرزها مشروب الطاقة مع السيجارة وهذا الدمج يهدم صحة الأولاد.

التعليقات